"الفاو": تراجع في نصيب الفرد من المياه يفاقم مخاطر الإجهاد المائي عالمياً

"الفاو": تراجع في نصيب الفرد من المياه يفاقم مخاطر الإجهاد المائي عالمياً
الجفاف - أرشيف

كشف تقرير «أكواستات لبيانات المياه لعام 2025» الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) عن استمرار التدهور في توافر المياه المتجددة للفرد على المستوى العالمي، حيث سجل انخفاضاً إضافياً بنسبة 7% خلال العقد الماضي، في مؤشر مقلق يعكس تعاظم الضغوط على مورد حيوي يشكل أساس الأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في مختلف الدول.

ويأتي هذا التراجع في وقت تتزايد فيه المنافسة على موارد المياه العذبة التي كانت أصلاً شحيحة في العديد من المناطق، نتيجة النمو السكاني المتسارع، والتوسع الحضري، وارتفاع الطلب الزراعي والصناعي، إلى جانب تأثيرات التغير المناخي التي باتت تضرب أنماط الهطول المائي وتزيد من حدة الجفاف وعدم انتظام الموارد.

وتُظهر بيانات التقرير أن مناطق شمال إفريقيا وغرب آسيا لا تزال من أكثر أقاليم العالم معاناة من محدودية الموارد المائية، حيث يُصنف نصيب الفرد من المياه المتجددة ضمن أدنى المستويات عالمياً، ففي دول مثل الكويت وقطر، بلغ التراجع حدوداً حرجة تجعل الاعتماد على التحلية والمصادر غير التقليدية خياراً شبه وحيد لتأمين الاحتياجات الأساسية.

ارتفاع معدلات السحب

في شمال إفريقيا، لم يطرأ تحسن يُذكر على نصيب الفرد من المياه العذبة، في حين ارتفعت معدلات السحب بنسبة 16% خلال السنوات العشر الماضية، ما يعكس فجوة متنامية بين الموارد المتاحة والطلب الفعلي، هذا الوضع يهدد استدامة الأحواض المائية الجوفية والسطحية، ويضع ضغوطاً إضافية على الدول التي تواجه أصلاً تحديات اقتصادية وتنموية.

أما في غرب آسيا، التي يشملها التقرير معظم دول الشرق الأوسط، فيسهم النمو السكاني السريع إلى جانب الاعتماد الكبير على الزراعة المروية في زيادة الضغط على موارد محدودة بطبيعتها، وسط بيئات مناخية قاسية وارتفاع معدلات الجفاف.

ولا يقتصر الإجهاد المائي على المناطق القاحلة وشبه القاحلة، إذ يشير التقرير إلى أن بعض الأقاليم التي تتمتع بتوافر مائي أعلى نسبياً بدأت تشهد بدورها منافسة متزايدة بين القطاعات المختلفة، ففي مناطق من أمريكا اللاتينية وآسيا، أدى التوسع الحضري وتسارع وتيرة الزراعة المروية إلى زيادة الطلب على المياه، ما يهدد بتقويض المكاسب السابقة في إدارة الموارد.

كفاءة استخدام المياه

ويبرز التقرير تفاوتات كبيرة في أنماط الري وكفاءة استخدام المياه، ففي أجزاء من آسيا وأمريكا اللاتينية، يعتمد جزء كبير من إنتاج المحاصيل على الري، بينما لا تزال إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تعاني من ضعف شديد في البنية التحتية المائية، إذ لا تمثل الأراضي المروية سوى نسبة محدودة من إجمالي الأراضي الزراعية، وهو ما يعكس فجوة تنموية عميقة في الوصول إلى الموارد والخدمات الأساسية.

ويؤكد التقرير أن القطاع الزراعي يظل المستهلك الأكبر للمياه على مستوى العالم، إذ يستحوذ على نحو 72% من عمليات سحب المياه في العديد من المناطق. 

ورغم تسجيل تحسن نسبي في كفاءة استخدام المياه في بعض الدول، فإن مستويات الإجهاد المائي لا تزال مرتفعة أو مرتفعة جداً في البلدان التي يتجاوز فيها السحب المنتظم الإمدادات المتجددة، ما يضع استدامة الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي على المحك.

كما أظهرت البيانات أن سحب المياه العذبة ازداد في السنوات الأخيرة في عدد من الأقاليم، الأمر الذي فاقم الضغط على أحواض الأنهار والمياه الجوفية التي تعاني أصلاً من الاستنزاف والتلوث.

مؤشرات التنمية المستدامة

يقدم تقرير «أكواستات» قيماً محدثة للمؤشرين الرئيسيين المدرجين ضمن الهدف 6.4 من أهداف التنمية المستدامة، والمتعلقين بكفاءة استخدام المياه ومستويات الإجهاد المائي.

 وبينما تشير الأرقام إلى تحسن عام في كفاءة الاستخدام، فإن الارتفاع المستمر في مؤشرات الإجهاد المائي يكشف عن اختلال هيكلي بين العرض والطلب، ويؤكد أن التحسن التقني وحده غير كافٍ ما لم يُواكب بسياسات متكاملة لإدارة الموارد.

وفي خلاصة التقرير، تحذر الفاو من أن استمرار الاتجاهات الحالية ينذر بتفاقم الأزمات المائية في العقود المقبلة، ما لم تُعتمد استراتيجيات شاملة لإدارة المياه بشكل مستدام، وتعزيز القدرة على التكيف مع الطلب المتزايد، وضمان التوزيع العادل للموارد بين القطاعات والفئات السكانية. 

ويضع هذا التحذير ملف المياه في صدارة التحديات العالمية، بوصفه قضية وجودية تمس الحق في الحياة والغذاء والتنمية، ولا يمكن تأجيل معالجتها.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية